يستمر الذهب في جذب المستثمرين في اقتصاد اليوم غير المتوقع، فخلال هذا العام حطم المعدن الثمين أرقامًا قياسية مرارًا وتكرارًا حيث يبحث الناس عن طرق لحماية ثرواتهم، فمع تزايد مخاوف التضخم وعدم اليقين العالمي أصبح دور الذهب كملاذ استثماري قويًا بشكل خاص الآن.
في شهر سبتمبر وصلت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بالقرب من مستوي الدعم النفسي التالي 2700 دولار للأونصة، ومع دخولنا شهر أكتوبر يتساءل الكثيرون: هل سيستمر هذا الاتجاه الصعودي؟ أم أننا على وشك انخفاض الأسعار؟
الذهب يرتفع بأكثر من 30% منذ بداية العام
قفزت أسعار تداول الذهب بقوة خلال الشهر الماضي لتسجل رقمًا قياسيًا جديدًا بالقرب من مستوي الدعم النفسي التالي 2700 دولار للأونصة، مدفوعة بالاقبال المتزايد على شراء الملاذ الآمن التقليدى عقب قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة بواقع 50 نقطة أساس، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين الاقتصادى والجيوسياسى المتصاعدة.
ومنذ بداية العام حتي الآن سجل المعدن الأصفر مكاسب تخطت 30% متخطيًا مكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 البالغة نحو 20%، وتعاذ تلك المكاسب الواسعة للذهب إلى العديد من العوامل بما فى ذلك الطلب القوى من جانب البنوك المركزية الكبري والاهتمام المتزايد من المستثمرين الأفراد، كما عززت بداية دورة التحفيز النقدي للبنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الذهب.
لقد فاجأ أداء المعدن الأصفر أغلب خبراء السوق، حيث يروا أن مكاسب الذهب وتداوله بالقرب من مستوي 2700 دولار للأونصة جاءت في وقت مبكر وأكبر بكثير من المتوقع.
إليكم توقعات أسعار الذهب لشهر أكتوبر 2024
مع دخولنا شهر أكتوبر يبدو أن الذهب على استعداد لمزيد من المكاسب مع توقعات تتراوح من 2600 دولار إلى 2800 دولار للأوقية، وتستند هذه النظرة المتفائلة إلى الصعود المذهل الذي حققه الذهب منذ بداية العام.
يتوقع المخطط المالي المعتمد والمؤسس المشارك لشركة Rocket Dollar “هنري يوشيدا”: أن أسعار الذهب من المرجح أن تستمر في الارتفاع بشكل مطرد، ويشير إلى عمليات الشراء المحتملة من جانب البنوك المركزية وخفض أسعار الفائدة المتوقع من جانب البنك الاحتياطي الفيدرالي كعوامل رئيسية، وتعكس توقعاته الصعودية التي تبلغ 2800 دولار للأوقية ثقة قوية في الزخم الصعودي للذهب.
بينما يتطلع يوشيدا إلى السياسة النقدية، يجد الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار GraniteShares “ويل ريند” الإلهام في الاتجاهات التاريخية، حيث يشير إلى أن أسعار الذهب ارتفعت بمعدل 8.5% في الأشهر الستة التي أعقبت خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، في إشارة إلى البيانات منذ عام 2020، ويغذي هذا النمط توقعاته ببلوغ سعر الذهب 2700 دولار بحلول نهاية الشهر.
لدى الرئيس التنفيذي للعمليات ومدير المحفظة الأول في شركة Mount Lucas Management “جيري بريور” وجهة نظر أكثر تحفظًا، فهو يرى أن الذهب سيظل ثابتًا بين 2600 دولار و 2700 دولار في أكتوبر، ولا يرى أي سبب لبيع الذهب، مشيرًا إلى مسار أسعار الفائدة الداعم من جانب البنك الاحتياطي الفيدرالي كسبب رئيسي.
تقدم توقعات الذهب لشهر أكتوبر فرصًا وتحديات للمستثمرين، سنرى قريبًا المزيد من البيانات الاقتصادية مثل شكل سوق العمل، فإذا استمرت أرقام الوظائف في التدهور فقد نرى ذلك ينعكس في سعر الذهب المرتفع، حيث قد ترتفع التوقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل أكثر عدوانية، بالإضافة إلى سوق العمل ينصح الخبراء بمراقبة أداء الدولار الأمريكي حيث يمكن أن يؤثر ذلك أيضًا على سعر الذهب.
العوامل الرئيسية التي تحرك أسعار الذهب
على الرغم من التوقعات المتباينة لأسعار الذهب، يتفق خبراءنا على شيء واحد وهو: استمرا الاتجاه الصعودي للذهب، ولكن ما الذي يدفع هذه الفرصة الذهبية؟ فيما يلي ثلاثة عوامل:
1 .تحولات أسعار الفائدة: يسلط الخبراء الضوء على أنه مع انخفاض أسعار الفائدة ستشهد الأسواق المختلفة دفعة صعودية قوية، ويتوقع أن يتبع الذهب هذا الاتجاه مستفيدًا من بيئة أسعار الفائدة المتغيرة.
2 .عدم اليقين العالمي: التوترات الجيوسياسية مرتفعة الآن مع الانتخابات الأمريكية الوشيكة والصراعات الجارية في الخارج، يلاحظ الخبراء أن التوترات الجيوسياسية المتزايدة في الشرق الأوسط وأوكرانيا تدفع مزيد من الطلب على الذهب.
3 .ديناميكيات الدولار: يلاحظ الخبراء أنه مع تحرك البنك الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة، ضعف الدولار واتجه الذهب إلى الارتفاع، غالبًا ما تدفع هذه العلاقة العكسية بين الذهب والدولار أسعار الذهب للارتفاع عندما ينخفض الدولار.
تزايد مشتريات البنوك المركزية
من أهم العوامل التي ساهمت في القفزات الكبيرة لأسعار الذهب تكدس عمليات الشراء من البنوك المركزية الكبري على مدار هذا العام، مما أدي إلي تمديد موجة الشراء التى بدأت فى عام 2022، ففي النصف الأول من عام 2024 قامت البنوك المركزية بشراء نحو 483 طن، في أكبر عملية شراء نصف سنوية منذ تسجيل البيانات التي تمت في عام 2000.
قامت الصين وحدها بزيادة احتياطياتها من الذهب بنحو 316 طن في الفترة بين نوفمبر 2022 وأبريل 2024، ومنذ ذلك الحين توقف بنك الصين الشعبي عن شراء الذهب بسبب الارتفاع الحاد في الأسعار، لكن هذا الارتفاع الحاد لم تتخلي دول أخري عن الشراء فقد أضافت البنوك المركزية الأخري وفي مقدمتها الهند وبولتدا وأوزبكستان نحو 37 طن إلى احتياطياتها فى شهر يوليو في أكبر عملية شراء شهرية منذ يناير 2024.
ووفقًا لمجلس الذهب العالمى، قال إن عمليات الشراء المتزايدة من جانب البنوك المركزية الكبري جاءت نتيجة سعيهم للتحوط من التضخم والأزمات الاقتصادية، في حين يري البعض أنه أفضل بسبب عدم وجود مخاطر التخلف عن السداد، وبرغم ذلك يري الكثير من الخبراء أن دوافع تكديس الذهب من قبل البنوك المركزية يرجع إلى سعيهم المتزايد لتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي.
الجدير بالذكر أن مشتريات الذهب من البنوك المركزية ارتفعت إلى مستوي قياسي في الربع الثالث من عام 2022 لتبلغ نحو 459 طن، وذلك بعد فترة قصيرة للغاية من قيام الولايات المتحدة بتجميد الأصول الروسية المقومة بالدولار الأمريكي عقابًا لها على الحرب الروسية الأوكرانية، كما قامت بقطع نظام المدفوعات العالمي SWIFT عن روسيا.
لم تكن العقوبات الأمريكية هي السبب الرئيسي لتخلي البنوك المركزية عن الاحتفاظ بالدولار الأمريكي وتكديس الذهب ضمن احتياطياتها، ولكن البنوك المركزية حذرة من الارتفاع القياسي للدين الوطني الأمريكي والتحديات التى تواجه خدمته، فمن المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بدفع 1.2 تريليون دولار كفوائد هذا العام، كما أن هناك مخاوف من عدم استطاعة الولايات المتحدة من تسديد الديون الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار الدولار وسندات الخزانة.
هل الاستثمار في الذهب منطقي مع ارتفاع الأسعار؟
لا يزال الاستثمار في الذهب ذكيًا على الرغم من ارتفاع أسعار الذهب، في حين يعتقد العديد من المستثمرين أن الذهب في المقام الأول هو تحوط ضد التضخم، إلا أن البعض يرون أن جاذبيته أوسع من ذلك فالتضخم ليس السبب الوحيد لامتلاك الذهب، وفي خضم التوترات الجيوسياسية وغيرها من المخاوف الاقتصادية، قد يكون من المنطقي إضافة الحماية التي يمكن أن يوفرها الذهب لمحفظتك، ويؤكد هذا المنظور على دور الذهب باعتباره أصلًا آمنًا أثناء عدم الاستقرار العالمي أو عدم اليقين وليس فقط كتحوط ضد التضخم.
لم يردع ارتفاع أسعار الذهب الأخير الخبراء الماليين عن التوصية به، يرى البعض أن السوق الحالي فرصة رئيسية للشراء، فإذا اشتريت الذهب بهذه الأسعار فقد يكون توقيتك مناسبًا تمامًا، فقد استطاع الذهب تجاوز ذروته السابقة منذ عقود وبالتالي فإنه قد يبدأ فترة جديدة من الأداء المتفوق خاصة في ظل البيئة الاقتصادية والسياسية الحالية.
في حين أنه من الصعب التنبؤ بالضبط إلى أين يتجه سعر الذهب، يقول خبراء الصناعة إن التوقعات طويلة الأجل أكثر أهمية، حيث يعتبر الذهب التزاماً وشراءً طويل الأمد، فأسعار اليوم لا تعني الكثير عند النظر في إمكانات الذهب على مدى السنوات العشر إلى العشرين المقبلة، ويتماشى هذا التفكير الطويل الأمد مع المخاوف الاقتصادية الأوسع نطاقاً.
من المرجح أن الوقت الحالي مناسب للغاية للنظر في الذهب كجزء من محفظتك الاستثمارية، على الرغم من تداوله عند مستويات مرتفعة قياسية، فالذهب يشكل ضمانة ضد الاضطرابات الاقتصادية المحتملة بما في ذلك مخاطر الركود وتزايد الدين الأمريكي، يمكن أن تؤدي هذه العوامل إلى إضعاف الدولار الأمريكي مما يجعل الذهب بديلاً جذابًا.
استراتيجيات الاستثمار في الذهب بأسعاره الحالية
مع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، قد تتساءل “ما هي أفضل طريقة للاستثمار فيه؟”، يقترح الخبراء استراتيجيتين رئيسيتين هما: اتخاذ وجهة نظر طويلة الأجل وشراء الذهب بزيادات صغيرة، إليك كيف يمكن أن تعمل هذه الأساليب لصالحك:
1 .احتفظ بمنظور استثماري طويل الأجل
عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في الذهب، فإن التفكير على المدى الطويل يمكن أن يساعدك في التغلب على التقلبات قصيرة الأجل، يعترف الخبراء بأن الذهب يمكن أن يكون فئة أصول متقلبة، لكنه ينصحوا المستثمرين الذين يفهمون سبب شرائهم للذهب بالبدء بالأسعار الحالية والاستمرار في إضافة المزيد إلى حيازاتهم حتى مع تقلب السوق، فالانتظار حتى تنخفض الأسعار قد يأتي بنتائج عكسية لأن هذا ينطوي على الكثير من المخاطر في سوق ذات اتجاه تصاعدي، وبالتالي قد لا تحصل أبدًا على فرصة لشرائه، وهذا يتماشى مع وجهة نظر الخبراء المحترفين بأن استثمارات الذهب يجب أن تُرى من خلال عدسة 10 سنوات أو أكثر.
2 .شراء الذهب بكميات ثابتة وصغيرة
هل أنت قلق بشأن ارتفاع سعر الذهب؟ فكر بشراء كميات ثابتة أصغر بمرور الوقت، يسمي المحللون ذلك بأنه نهج المستثمر وليس نهج المتداول، على سبيل المثال: يمكنك شراء ذهب بنصف المبلغ الذي كنت تنوي الاستثمار فيه الآن، وإذا شهدت انخفاضًا فاشترِ بالنصف الآخر حينها، يمكن أن تساعدك هذه الطريقة في تجنب ضغوط محاولة تحديد توقيت السوق بشكل مثالي، من خلال توزيع عملية الشراء الخاصة بك يمكنك الاستفادة من الأسعار المرتفعة والمنخفضة مما يقلل من تأثير التقلبات قصيرة الأجل على استثمارك الإجمالي.
في الختام
قد يكون الاستثمار في الذهب الآن منطقيًا كجزء من محفظة متنوعة، يوصي الخبراء بتخصيص 10% من حيازاتك الاستثمارية للذهب وأسهم التعدين ذات الصلة، يتيح لك هذا النهج اكتساب التعرض لفوائدها مع الحفاظ على استراتيجية استثمار متوازنة عبر فئات الأصول المختلفة.
إذا كنت مستعدًا للاستثمار، ففكر في البدء بمبالغ صغيرة والبناء بمرور الوقت، والأهم من ذلك، تحدث إلى مستشار مالي موثوق به حول كيفية ملاءمة الذهب لخطتك المالية الشاملة، يمكنهم مساعدتك في موازنة المكافآت مقابل المخاطر ومواءمة استثماراتك في الذهب مع أهدافك طويلة الأجل.